عهد عمر بن الخطاب لأبى موسى الأشعري المتضمن شروط القضاء (14 هجرية)
استوفى عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – في عهده إلى أبى موسى الأشعري شروط القضاء وبين أحكام التقليد، فقال فيه: أما بعد فإن القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة فافهم إذا أدلي إليك فإنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له، وأس بين الناس في وجهك وعدلك ومجلسك؛ حتى لا يطمع شريف في حيفك ولا ييأس ضعيف من عدلك. البينة على من ادعى واليمين على من أنكر والصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً أحل حراماً أو حرم حلالاً. ولا يمنعك قضاء قضيته أمس فراجعت اليوم فيه عقلك وهديت فيه لرشدك أن ترجع إلى الحق؛ فإن الحق قديم لا يبطله شئ ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل الفهم الفهم فيما تلجلج في صدرك ما ليس في كتاب الله تعالى ولا سنة نبيه ثم اعرف الأمثال والأشباه وقس الأمور بنظائرها واجعل لمن ادعى حقاً غائباً أو بينة أمداً ينتهي إليه، فمن أحضر بينة أخذت له لحقه واستحلل القضية عليه فإن ذلك أنفى للشك وأجلى للعمى. والمسلمون عدول بعضهم على بعض إلا مجلوداً في حد أو مجرباً عليه بشهادة زور أو ظنيناً في ولاء أو نسب، فإن الله عفا عن الأيمان ودرأ بالبينات. وإياك والقلق والضجر والتأفف بالخصوم فإن الحق في مواطن الحق يعظم الله به الأجر ويحسن به الذكر والسلام.
خلافته
اوصى الخليفة الاول أبي بكر الصديق بتولي عمر الخطاب خلافة المسلمين بعد
وفاته حيث بويع أمير المؤمنين "عمر بن الخطاب" خليفة للمسلمين في اليوم
التالي لوفاة "أبي بكر الصديق" [22 من جمادى الآخرة 13 هـ: 23 من أغسطس 632م].
وبدأ الخليفة الجديد يواجه الصعاب والتحديات التي قابلته منذ اللحظة الأولى
وبخاصة الموقف الحربي الدقيق لقوات المسلمين بالشام، فأرسل على الفور
جيشًا إلى العراق بقيادة أبي عبيدة بن مسعود الثقفي" الذي دخل في معركة
متعجلة مع الفرس دون أن يرتب قواته، ولم يستمع إلى نصيحة قادة جيشه الذين
نبهوه إلى خطورة عبور جسر نهر الفرات، وأشاروا عليه بأن يدع الفرس
يعبرون إليه؛ لأن موقف قوات المسلمين غربي النهر أفضل، حتى إذا ما تحقق
للمسلمين النصر عبروا الجسر بسهولة، ولكن "أبا عبيدة" لم يستجب لهم،
وهو ما أدى إلى هزيمة المسلمين في موقعة الجسر، واستشهاد أبي عبيدة وأربعة
آلاف من جيش المسلمين.
" الفتوحات الإسلامية في عهد الفاروق "
بعد تلك الهزيمة التي لحقت بالمسلمين "في موقعة الجسر" سعى "المثنى بن
حارثة" إلى رفع الروح المعنوية لجيش المسلمين في محاولة لمحو آثار الهزيمة،
ومن ثم فقد عمل على استدراج قوات الفرس للعبور غربي النهر، ونجح في
دفعهم إلى العبور بعد أن غرهم ذلك النصر السريع الذي حققوه على المسلمين،
ففاجأهم "المثنى" بقواته فألحق بهم هزيمة منكرة على حافة نهر "البويب"
الذي سميت به تلك المعركة.
ووصلت أنباء ذلك النصر إلى "الفاروق" في "المدينة"، فأراد الخروج بنفسه
على رأس جيش لقتال الفرس، ولكن الصحابة أشاروا عليه أن يختار واحدًا غيره
من قادة المسلمين ليكون على رأس الجيش، ورشحوا له "سعد بن أبي وقاص"
فأمره "عمر" على الجيش الذي اتجه إلى الشام حيث عسكر في "القادسية".
وأرسل "سعد" وفدًا من رجاله إلى "بروجرد الثالث" ملك الفرس؛ ليعرض عليه
الإسلام على أن يبقى في ملكه ويخيره بين ذلك أو الجزية أو الحرب، ولكن الملك
قابل الوفد بصلف وغرور وأبى إلا الحرب، فدارت الحرب بين الفريقين، واستمرت
المعركة أربعة أيام حتى أسفرت عن انتصار المسلمين في "القادسية"، ومني
جيش الفرس بهزيمة ساحقة، وقتل قائده "رستم"، وكانت هذه المعركة من أهم
المعارك الفاصلة في التاريخ الإسلامي، فقد أعادت "العراق" إلى العرب
والمسلمين بعد أن خضع لسيطرة الفرس قرونًا طويلة، وفتح ذلك النصر الطريق
أمام المسلمين للمزيد من الفتوحات.
** الطريق من المدائن إلى نهاوند **
أصبح الطريق إلى "المدائن" عاصمة الفرس ـ ممهدًا أمام المسلمين، فأسرعوا
بعبور نهر "دجلة" واقتحموا المدائن، بعد أن فر منها الملك الفارسي، ودخل
"سعد" القصر الأبيض ـ مقر ملك الأكاسرة ـ فصلى في إيوان كسرى صلاة
الشكر لله على ما أنعم عليهم من النصر العظيم، وأرسل "سعد" إلى "عمر"
يبشره بالنصر، ويسوق إليه ما غنمه المسلمون من غنائم وأسلاب.
بعد فرار ملك الفرس من "المدائن" اتجه إلى "نهاوند" حيث احتشد في جموع
هائلة بلغت مائتي ألف جندي، فلما علم عمر بذلك استشار أصحابه، فأشاروا
عليه بتجهيز جيش لردع الفرس والقضاء عليهم فبل أن ينقضوا على المسلمين،
فأرس عمر جيشًا كبيرًا بقيادة النعمان بن مقرن على رأس أربعين ألف مقاتل
فاتجه إلى "نهاوند"، ودارت معركة كبيرة انتهت بانتصار المسلمين وإلحاق
هزيمة ساحقة بالفرس، فتفرقوا وتشتت جمعهم بعد هذا النصر العظيم الذي أطلق
عليه "فتح الفتوح".
قوة الحق
كان قويا في الحق لا يخشى فيه لومة لائم ، فقد استأذن عمر بن الخطاب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعنده نسوة من قريش ، يكلمنه ويستكثرنه ، عالية أصواتهن على صوته ، فلما استأذن عمر بن الخطاب قمن فبادرن الحجاب ، فأذن له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فدخل عمر ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يضحك ، فقال عمر
أضحك الله سنك يا رسول الله )
فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-
عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندي ، فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب )
فقال عمر
فأنت أحق أن يهبن يا رسول الله ) ثم قال عمر
يا عدوات أنفسهن أتهبنني ولا تهبن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-)
فقلن
نعم ، أنت أفظ وأغلظ من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-)
فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
إيه يا ابن الخطاب ، والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكا فجا قط إلا سلك فجا غيرفجك )
ومن شجاعته وهيبته أنه أعلن على مسامع قريش أنه مهاجر بينما كان المسلمون يخرجون سرا ، وقال متحديا لهم : من أراد أن تثكله أمه وييتم ولده وترمل زوجته فليلقني وراء هذا الوادي فلم يجرؤ أحد على الوقوف في وجهه
عمر في الأحاديث النبوية
رُويَ عن الرسـول -صلى الله عليه وسلم- العديد من الأحاديث التي تبين فضل عمـر بن الخطاب نذكر منها
إن الله سبحانـه جعل الحق على لسان عمر وقلبه
الحق بعدي مع عمـر حيث كان
إن الشيطان لم يلق عمـر منذ أسلم إلا خرَّ لوجهه
ما في السماء ملك إلا وهو يوقّر عمر ، ولا في الأرض شيطان إلا وهو يفرق من عمر
قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-
رأيتني دخلت الجنة فإذا أنا بالرميصاء امرأةِ أبي طلحة وسمعت خشفاً أمامي ، فقلت : ما هذا يا جبريل ؟ قال : هذا بلال
ورأيت قصرا أبيض بفنائه جارية ، فقلت : لمن هذا القصر ؟
قالوا : لعمر بن الخطاب ، فأردت أن أدخله فأنظر إليه ، فذكرت غيْرتك ) فقال عمر
بأبي وأمي يا رسول الله أعليك أغار !)
وقال الرسول -صلى الله عليه وسلم-
بيْنا أنا نائم إذ أتيت بقدح لبنٍ ، فشربت منه حتى إنّي لأرى الريّ يجري في أظفاري ، ثم أعطيت فضْلي عمر بن الخطاب )
قالوا
فما أوّلته يا رسول الله ؟) قال
العلم )
قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-
بينا أنا نائم رأيت الناس يعرضون عليّ وعليهم قمصٌ ، منها ما يبلغ الثدي ومنها ما يبلغ أسفل من ذلك ، وعُرِضَ عليّ عمر بن الخطاب وعليه قميص يجرّه )
قالوا
فما أوَّلته يا رسول الله ؟) قال
الدين )